برز خلال الشهر الماضي في وسائل الإعلام، اسمان اثنان لقياديين في المعارضة السورية المسلحة كنت قد استجوبتهما قبل عام، وأعود إليها الآن لأن قصتهما جديرة بالاهتمام، الأول هو عبد القادر صالح الذي قتل في نهاية الأسبوع الماضي إثر قصف جوي لقوات النظام السوري على المناطق الشمالية، حيث كان قائداً لـ"لواء التوحيد" باعتباره أحد أهم قوى المعارضة المسلحة وأكبرها في منطقة حلب بعدد قوات يصل إلى 10 آلاف مقاتل، وقد جاء مقتله وسط موجهة من التراجعات يشهدها الثوار فيما تتقدم قوات الأسد نحو حلب؛ ثم هناك الشخصية الأخرى متمثلة في العقيد عبد الجبار العقيدي، أحد قادة ثوار حلب أيضاً والمنشق السابق عن الجيش السوري الذي اعتمدت عليه الولايات المتحدة في توزيع المساعدات المحدودة على ثوار سوريا في الشمال، هذا الرجل قدم استقالته مطلع الشهر الجاري لما أصابه من إحباط جراء اقتتال الثوار فيما بينهم. والحقيقة أن قصة الرجلين، صالح والعقيدي، تساعد إلى حد كبير في فهم لماذا استطاع نظام بشار البقاء طيلة هذه المدة، كما تعطينا لمحة عن سبب تقدم المجموعات المتطرفة في صفوف الثوار المرتبطة بـ"القاعدة" وتحويلها سوريا إلى موطئ قدم جديد لأنشطتها، ولنبدأ أولاً مع صالح الذي التقيته قبل عام في بلدة "كيليس" داخل الحدود التركية. حينها بدا الرجل أبعد ما يكون عن القائد العسكري، حيث أبلغ صالح الذي لم يتجاوز 33 سنة بأنه كان تاجراً في مجال التصدير قبل اندلاع الثورة، وخلال حديثه كان مصحوباً بصديق كان يعمل مدرساً، لكن وعلى غرار العديد من السوريين انخرط صالح وصديقه في المظاهرات السلمية ضد نظام الأسد تأثراً بأجواء الربيع العربي، وخلال الحديث أصر الرجلان أنهما مسلمان متدينان، إلا أنهما أبعد ما يكون عن التطرف، أو الإسلام الأيديولوجي، لكن عندما شرعت قوات الأسد في إطلاق النار على المتظاهرين السلميين بدأ صالح يجمع الناس لمقاتلة الأسد، أولاً من خلال أسلحة الصيد، ثم تدريجياً وعندما تدفقت الأموال من الخارج سعى صالح إلى تشكيل قوات وتجميعها في ميلشيا عرفت باسم "لواء التوحيد"، ليصبح من أكبر القوى المقاتلة في منطقة حلب، كما تحولت إلى جزء أساسي ضمن الجيش السوري الحر، وقد بدا صالح قادراً في البداية على تجسير الهوة بين المقاتلين الأكثر تديناً، والآخرين الأقل منهم في ذلك، وهو شخصياً لم يكن من الذين يستخدمون لغة تحريضية كتلك التي يلجأ إليها المتطرفون. لكن هذا التوازن الذي أقامه صالح بين المعتدلين والمتطرفين بدأ يختل عندما رفضت واشنطن تسليح الفصائل المعتدلة المرتبطة بالجيش السوري الحر، فلم يكن أمام صالح سوى القتال إلى جانب القوات الأفضل تسليحاً والأكثر تصميماً التي يمثلها "الجهاديون"، لا سيما في ظل الأموال التي كانت تصل العناصر المتطرفة من بعض الدول، وهكذا اكتسبت ما يعرف بـ"الدولة الإسلامية في العراق والشام" نفوذاً أكبر في شمال سوريا وباتت تهاجم الثوار الآخرين، بمن فيهم "لواء التوحيد" نفسه، وهو ما يقودني إلى الحديث عن العقيد عبد الجبار العقيدي الذي بُح صوته وهو يحذر كبار المسؤولين الأميركيين من أن التهاون في تسليح الجيش السوري الحر، سيعزز المتطرفين ويقوي شوكتهم. ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم سي تي إنترناشونال"